- الطبيعة قد تكون قاسية أحياناً بفيضانتها وأعاصيرها وبراكينها المستعرّة , وهذا لا دخل لنا به , وقد تكون الطبيعة قليلة الحسّ أحياناً لتقوم بتشويه بعضاً من أجمل الإبداعات البشرية - كما هو الحال مع مقبرة " تاج محل Taj Mahal " الشهيرة .. ولكن في هذه الحالة فالإنسان هو السبب الأول !
فوسط هذا الجمال الهاديء الحالم , هناك ظل أصفر يتنامى حول تلك الأعجوبة الشهيرة , وهو ضباب أصفر يحمل المطر الحمضي Acid Rain , ليكسبه هذا المظهر الأصفر المحموم , كما أن هذا المطر قد يسبب الذوبان التدريجي للسطح اللؤلؤي للنصب التذكاري " تاج محل " إذا ما استمر الحال على ما هو عليه .
ولكن كيف يصبح المطر خطيراً وحمضياً بهذا الشكل ؟
إذا أخذنا تاج محل في أجرا بشمال الهند كمثال لاكثر الأماكن تلوثاً بالمطر الحمضي - سنجد أن تاج محل يقع بجانب عدد كبير من المصانع التي تُنتج المواد الكيميائية وتتخلص من تلك المواد عن طريق مياه الصرف الصحي .
تلك المصانع تُطلق غازات ضارة من خلال المداخن العديدة المرتفعة التي تكون فيما بعد الأمطار الحمضية, ودعونا لا ننسى أنه بالإضافة إلى الكثافة الهائلة من المركبات الكيميائية , فإن اللامبالاه الصارخة للسكان المحليين هي التي زادت من الأمر سوءاً .
إن أكثر الملوثات ضرراً من بين عدد لا يحصى من الملوثات البيئية , هي أكاسيد النيتروجين (NO و NO2) وثاني أكسيد الكبريت (SO2) , حيث تطفو تلك الأكاسيد وتتكثف في السحب لتتفاعل مع قطرات الماء الموجودة في الغلاف الجوي مكونة أحماض الكبريتيك والنيتروجين , وتسقط على شكل أحماض ضعيفة وليس ماء .
وللعلم - تُقاس درجة الحموضة بمقياس يُسمى ( مقياس الأس الهيدروجيني ) pH scale , والذي يصف درجة حموضة المادة عن طريق تعيين رقم الـ pH لها , والذي يبدأ بـ 0 حتى 14
حيث يمثل الـ 0 الحموضة القصوى
ورقم 14 يمثل الحموضة القاعدية ( الأساسية - أي عكس الحموضة )
بينما يمثل الرقم 7 الوسط المتعادل ( كالماء ) .
لذا عند تعيين درجة الحموضة في ماء المطر فينبغي أن يظهر الرقم 7 أو 6 , ولا يحدث هذا مع المطر الحمضي .
كما أن الكبريت والنيتروجين شائعان جداً في غلافنا الجوي و وهذا يعني أن المطر الطبيعي حتمياً سيحتوي على بعض الحموضة القليلة , ومع ذلك فإن زيادة تلك الغازات , تزيد من حموضة الأمطار , فحين يكون الرقم الهيدروجيني للمطر الطبيعي حوالي 5 أو 6 , فيكون بالنسبة للأمطار الحمضية الرقم هو من 3 إلى 4 , بينما يصل الرقم الهيدروجيني للأمطار شديدة الحموضة إلى حوالي 2 وهو حمضي كالخل .
هل هناك آثار للمطر الحمضي على البشر والبيئة ؟
- مما سبق - يجب أن نعلم أن أكثر الأمطار حموضة لن تكون حمضية بما يكفي لإذابة بشرتنا , ولكن هذا لا يعني أنها غير ضارة !
فالأمطار الحمضية لها تأثيرات خبيثة على الهياكل المصنوعة من الفولاذ , وكذلك الهياكل المصنوعة من الحجر الجيري أو الحجر الرملي .
فعلى الرغم من أن قوى الطبيعة تعمل على تآكل الكثير من المواد في نهاية المطاف , إلا أن الأمطار الحمضية تزيد من تلك الوتيرة بالتدريج .
لا يقتصر الأمر على ذلك فقط - ولكن يُرجح أن المطر الحمضي يتسبب في قتل النباتات , فمن المعروف أن الماء الحمضي الذي تمتصه التربة يعمل على تحلل العناصر الغذائية الرئيسية في التربة , وبالتالي يحرم النباتات من العناصر الضرورية للنمو الكافي , والأكثر من ذلك , عندما تسقط تلك المواد الحمضية على أوراق النباتات , فإنها تُذيب الطبقة الرفيعة التي تحمي الأوراق مما يعوق من عملية التمثيل الضوئي .
بالإضافة إلى ذلك فإن الأمطار الحمضية تلوث الأنهار والبحيرات , مما يتسبب في موت الأسماك , كما تًسهل الأمطار الحمضية من عملية إطلاق الألومنيوم من التربة و وهو سمُّ قد يؤثر سلباً على كل من النظم البيئية الأرضية والمائية .
هل هناك حل لوقف الأمطار الحمضية ؟
- يجب أن نفهم أن النظم الإيكجولوجية بينها علاقة تكافلية في الأساس , فقد يؤدي إنخفاض عدد نوع معين من المخلوقات إلى إنقراض او انخفاض آخر , فعلى سبيل المثال - موت سمكة صغيرة سيؤدي إلى موت سمكة أكبر ..
كما أن الحشرات التي قد تتغذى على نباتات متضررة قد تهدد حياة الحيوانات الأخرى التي تتغذى عليها .. وهكذا .
إذا فالحل واضح - وهو تقليل التلوث قدر الإمكان - ليس فقط في الأماكن سيئة السمعة في التلوث , ولكن في كل مكان !
فطبيعة السحب متغيرة - فمثلا قد تتكون سحابة ملوثة في منطقة ما , وتطفو فوقها , ثم تتحرك لتُمطر على منطقة أخرى .
فقد تم العثور على 16% من الأمطار الحمضية في النرويج تنهمر من السحب التي كانت ملوثة من البداية في المملكة المتحدة !
يمكن الحد من التلوث إما باستخدام تقنيات العادم المبتكرة التي تعالج الغازات وتحولها من ضارة إلى غير ضارة قبل إطلاقها , أو عن طريق تجاهل مصادر الطاقة التقليدية لدينا , والبحث عن مصادر طاقة نظيفة غير ضارة ..
فإن إجراء تلك التغييرات في وقت متأخر أفضل من عدم التغيير مطلقاً .. ولن ينفع حينها الندم !
المصدر / scienceabc
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق